فصل: 3- الكفارة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.3- الكفارة:

في حالة ما إذا عفا ولي الدم أو رضي بالدية: أما إذا اقتص من القاتل فلا تجب عليه كفارة.
روى الإمام أحمد عن وائلة بن الاصقع.
قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم نفر من بني سليم.
فقالوا: «إن صاحبا لنا قد أوجب قال: فليعتق رقبة يفد الله بكل عضو منها عضوا منه من النار».
ورواه أيضا بسند آخر عنه قال: «أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا أوجب قال: أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار».
وهذا رواه أبو داود والنسائي.
ولفظ أبي داود قد أوجب يعني النار بالقتل.
قال الشوكاني في نيل الاوطار: في حديث وائلة دليل على ثبوت الكفارة في قتل العمد.
وهذا إذا عفا عن القاتل، أو رضي الوارث بالدية.
وأما إذا اقتص منه فلا كفارة عليه، بل القتل كفارته، لحديث عبادة المذكور في الباب ولما أخرجه أبو نعيم في المعرفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «القتل كفارة» وهو من حديث خزيمة بن ثابت.
وفي إسناده ابن لهيعة.
قال الحافظ: لكنه من حديث ابن وهب عنه، فيكون حسنا.
ورواه الطبراني في الكبير عن الحسن بن علي موقوفا عليه.

.4- القود أو العفو:

القود أو العفو إما على الدية، أو الصلح على غير الدية، ولو بالزيادة عليها كما أن لولي الجناية العفو مجانا.
وهو أفضل.
{وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم}.
وإذا عفا ولي الدم عن القاتل، فإنه لا يبقى حق للحاكم بعد في تعزيره.
وقال مالك والليث: يعزر بالسجن عاماو مائة جلدة.
وأصل وجوب القود أو العفو قول الله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم}.
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل له قتيل فهو يخير النظرين: إما أن يفتدي، وإما أن يقتل» فالأمر في العفو أو القصاص إلى أولياء الدم.
وهم الورثة، فإن شاءوا طلبوا القود، وإن شاءوا عفوا، حتى لو عفا أحد الورثة سقط القصاص، لأنه لا يتجزأ.
روى محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتي برجل قد قتل عمدا، فأمر بقتله، فعفا عنه بعض الأولياء، فأمر بقتله، فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كانت النفس لهم جميعا، فلما عفا هذا أحيى النفس، فلا يستطيع أخذ حقه - يعني الذي لم يعف - حتى يأخذ حق غيره.
قال فما ترى؟ قال: أرى أن تجعل الدية في ماله، وترفع عنه حصة الذي عفا.
قال عمر رضي الله عنه: وأنا أرى ذلك.
قال محمد: وأنا أرى ذلك.
وهو قول أبي حنيفة.
وإن كان في الورثة صغير فإنه ينتظر بلوغه، ليكون له الخيار، إذ أن القصاص حق لجميع الورثة.
ولا اختيار للصبي قبل بلوغه.
وإذا عفا الورثة جميعا أو أحدهم على الدية وجب على القاتل دية مغلظة، حالة في حاله كما سيأتي ذلك مفصلا في باب الديات.

.شروط وجوب القصاص:

ولا يجب القصاص إلا إذا توفرت الشروط الآتية:

.1- أن يكون المقتول معصوم الدم:

فلو كان حربيا، أو زانيا محصنا، أو مرتدا، فإنه لا ضمان على القاتل،
لا بقصاص ولابدية، لأن هؤلاء جميعا مهدور والدم.
روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل دم امرئ مسلم: يشهد أن لاإله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاثة: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة».

.2- أن يكون القاتل بالغا.

.3- أن يكون عاقلا.

فلا قصاص على صغير، ولا مجنون، ولا معتوه، لأنهم غير مكلفين، وليس لهم قصد صحيح أو إرادة حرة.
فإذا كان المجنون يفيق أحيانا، فقتل وقت إفاقته، اقتص منه.
وكذلك من زال عقله بسكر وهو متعد في شربه.
فعن مالك أنه بلغه أن مروان بن الحكم كتب إلى معاوية بن أبي سفيان، يذكر أنه أتي بسكران قد قتل رجلا، فكتب إليه معاوية: أن اقتله به.
فإن كان شرب شيئا ظنه غير مسكر، فزال عقله فقتل في هذه الحال، فلا قصاص عليه.
وفي الحديث يقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه.
«رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ».
وقال مالك: الأمر المجمع عليه عندنا: أن لا قود بين الصبيان، وأن قتلهم خطأ ما لم تجب الحدود، ويبلغوا الحلم، وان قتل الصبي لا يكون إلا خطأ.

.4- أن يكون القاتل مختارا:

فإن الاكراه يسلبه الارادة، ولا مسئولية على من فقد إرادته، فإذا أكره صاحب سلطان غيره على القتل، فقتل آدميا بغير حق، فإنه يقتل الآمر دون المأمور. ويعاقب المأمور.
وبهذا أخذ أبو حنيفة، وداود، وهو أحد قولي الشافعي.
وقال الأحناف: وإن أكره على إتلاف مال مسلم بأمر يخاف منه على نفسه، أو على عضو من أعضائه، وسعه أن يفعل ذلك، ولصاحب المال أن يضمن المكره.
وإن أكرهه بقتل على قتل غيره، لم يسعه أن يقدم عليه، ويصبر حتى يقتل، فإن قتله كان آثما.
والقصاص على المكره إن كان القتل عمدا.
وقال قوم: يقتل المأمور دون الآمر.
وهو القول الآخر للشافعي.
وقال قوم: منهم مالك والحنابلة: يقتلان جميعا، إن لم يعف ولي الدم، فإن عفا ولي الدم وجبت الدية، لأن القاتل قصد استبقاء نفسه بقتل غيره، والمكره تسبب في القتل بما يفضي إليه غالبا.
وإذا أمر مكلف غير مكلف بأن يقتل غيره: مثل الصغير والمجنون.
فالقصاص على الآمر، لأن المباشر للقتل آلة في يده، فلا يجب القصاص عليه، وإنما يجب على المتسبب.
وإذا أمر الحاكم بالقتل ظلما، فإما أن يكون المأمور عالما بأنه ظلم، أو لا يكون له علم به.
فإن كان عالما بأنه ظلم ونفذ أمره، وجب عليه القصاص، إلا أن يعفو الولي، فتجب الدية عليه، لأنه مباشر للقتل مع علمه بأنه ظلم، فلا يعذر ولا يقال إنه مأمور من الحاكم، لأن قاعدة الإسلام: أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما قال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
وإن لم يكن عالما بعدم استحقاقه القتل، فقتله، فالقصاص - إن لم يعف الولي، أو الدية - على الآمر بالقتل، دون المباشر، لأنه معذور لوجوب طاعة الحاكم في غير معصية الله.
ومن دفع إلى غير مكلف آلة قتل، ولم يأمره به، فقتل، لم يلزم الدافع شئ.

.5- ألا يكون القاتل أصلا للمقتول:

فلا يقتص من والد بقتل ولده، وولد ولده وإن سفل إذا قتله، بأي وجه من أوجه العمد، بخلاف ما إذا قتل الابن أحد أبويه فإنه يقتل اتفاقا، لأن الوالد سبب في حياة ولده، فلا يكون ولده سببا في قتله وسلبه الحياة، بخلاف ما إذا قتل الولد أحد والديه فإنه يقتص منه لهما.
أخرج الترمذي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقتل الوالد بالولد».
قال ابن عبد البر: هو حديث مشهور عند أهل العلم بالحجاز والعراق، مستفيض عندهم، وهو عمل أهل المدينة، ومروي عن عمر.
وروى يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب: أن رجلا من بني مدلج يقال له قتادة حدف ابنا له بالسيف فأصاب ساقه، فنزى جرحه فمات. فقدم سراقة بن جعشم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكر ذلك له. فقال له عمر: اعدد على ماء قديد عشرين ومائة بعير حتى أقدم عليك. فلما قدم عليه عمر، أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة، وثلاثين جذعة، وأربعين خلفة. ثم قال: أين أخو المقتول؟ فقال هاأنذا «ليس لقاتل شيئ».
وخالف في ذلك الإمام مالك، فرأى أنه يقاد الولد بالوالد، إذا أضجعه وذبحه، لأن ذلك عمد حقيقة، لا يحتمل غيره، فإن الظاهر في استعمال الجارح في القتل هو العمد.
والعمدية أمر خفي، لا يحكم بإثباتها إلا بما يظهر من قرائن الاحوال، وأما إذا كان على غير هذه الصفة، فيما يحتمل عدم إزهاق الروح، بل قصد التأديب من الاب.
وإن كان في حق غيره، يحكم فيه بالعمد.
وإنما فرق بين الاب وغيره، لما للاب من الشفقة على ولده، وعليه قصد التأديب عند فعله ما يغضب الاب، فيحمل على عدم قصد القتل، لقوة المحبة التي بين الاب والابن.

.6- أن يكون المقتول مكافئا للقاتل حال جنايته:

بأن يساويه في الدين، والحرية، فلا قصاص على مسلم قتل كافرا.
أو حر قتل عبدا، لأنه لا تكافؤ بين القاتل والمقتول، بخلاف ما إذا قتل الكافر المسلم، أو قتل العبد الحر، فإنه يقتص منهما.
والإسلام وإن كان قد ألغى الفوارق بين المسلمين في هذا الباب، فلم يفرق بين شريف ووضيع، ولابين جميل ودميم، ولابين غني وفقير، ولا بين طويل وقصير، ولابين قوي وضعيف، ولابين سليم ومريض، ولابين كامل الجسم وناقصه، ولابين صغير وكبير ولا بين ذكر وأنثى إلا أنه اعتبر الفارق بين المسلم والكافر، والحر والعبد، فلم يجعلهما متكافئين في الدم.
فلو قتل مسلم كافر أو قتل حر عبدا فلا قصاص على واحد منهما.
وأصل ذلك حديث علي كرم الله وجهه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا لا يقتل مؤمن بكافر».
أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم. وصححه.
وروى البخاري عن علي كرم الله وجهه أيضا أن أبا جحيفة قال له: هل عندكم شيء من الوحي ما ليس في القرآن.
قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن، وما في هذه الصحيفة.
قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وفكاك الاسير، وألا يقتل مسلم بكافر.
وهذا مجمع عليه بالنسبة للكافر الحربي: فإن المسلم إذا قتله، فإنه لا يقتل به إجماعا.
وأما بالنسبة للذمي والمعاهد، فقد اختلفت فيهما أنظار الفقهاء.
فذهب الجمهور منهم إلى أن المسلم لا يقتل بهما لصحة الأحاديث في ذلك، ولم يأت ما يخالفها.
وقالت الأحناف وابن أبي ليلى: لا يقتل المسلم إذا قتل الكافر الحربي، كما قال الجمهور. وخالفوهم في الذمي، والمعاهد.
فقالوا: إن المسلم إذا قتل الذمي أو المعاهد بغير حق، فإنه يقتل بهما، لأن الله تعالى يقول: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس}.
وأخرج البيهقي من حديث عبد الرحمن البيلماني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قتل مسلما بمعاهد.
وقال: «أنا أكرم من وفى بذمته».
وقالوا أيضا: أن المسلمين أجمعوا على أن يد المسلم تقطع إذا سرق من مال الذمي.
فإذا كانت حرمة ماله كحرمة مال المسلم، فحرمة دمه كحرمة دمه.
رفع إلى أبي يوسف القاضي: مسلم قتل ذميا كافرا، فحكم عليه بالقود، فأتاه رجل برقعة فألفاها إليه.
فإذا فيها: يا قاتل المسلم بالكافر - جرت، وما العادل كالجائر يا من ببغداد وأطرافها - من علماء الناس أو شاعر استرجعوا وابكوا على دينكم - واصطبروا، فالاجر للصابر جار على الدين أبو يوسف - بقتله المؤمن بالكافر فدخل أبو يوسف على الرشيد وأخبره الخبر، وأقرأه الرقعة.
فقال الرشيد: تدارك هذا الأمر لئلا تكون فتنة.
فخرج أبو يوسف، وطالب أصحاب الدم ببينة على صحة الذمة وثبوتها، فلم يأتوا بها، فأسقط القود.
وقال مالك والليث: لا يقتل المسلم بالذمي، إلا أن يقتله غيلة.
وقتل الغيلة أن يضجعه فيذبحه، وبخاصة على ماله.
هذا بالنسبة للكافر، وأما العبد، فإن الحر لا يقتل به إذا قتله، بخلاف ما إذا قتل العبد الحر، فإنه يقتل به.
لما رواه الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: «أن رجلا قتل عبده صبرا متعمدا، فجلده النبي صلى الله عليه وسلم مائة جلدة، ونفاه سنة، ومحاسهمه من المسلمين، ولم يقد به، وأمره أن يعتق رقبة».
ولان الله تعالى يقول: {الحر بالحر}.
وهذا التعبير يفيد الحصر، فيكون معناه: أنه لا يقتل الحر بغير الحر.
وإذا كان لا يقتل به فإنه يلزمه قيمته، بالغة ما بلغت، وإن جاوزت دية الحر.
هذا إذا قتل عبد غيره.
أما إذا كان السيد هو الذي قتل عبده فعقوبته ما ذكر في الحديث.
وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء، منهم مالك والشافعي، وأحمد، والهادوية.
وقال أبو حنيفة: يقتل الحر إذا قتل العبد، إلا إذا كان سيده.
وذلك أن الآية الكريمة تقول: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس}.
وهذا عام في كل الحالات، إلا إذا خصص، وقد خصصته السنة بحديث البيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقاد مملوك من مالكه ولا ولد من والده».
ولو صح هذا لكان قويا، إلا أن الحديث من رواية عمر بن عيسى، وقد ذكر البخاري أنه منكر الحديث.
وقال النخعي: يقتل الحر بالعبد مطلقا، أخذا بعموم قوله تعالى: {أن النفس بالنفس}.

.7- ألا يشارك القاتل غيره في القتل:

ممن لا يجب عليه القصاص، فإن شاركه غيره ممن لا يجب عليه القصاص كأن اشترك في القتل، عامد ومخطئ، أو مكلف وسبع، أو مكلف وغير مكلف: مثل الصبي والمجنون، فإنه لاقصاص على واحد منهما، وعليهما الدية، لوجود الشبهة التي تندرئ بها الحدود، فإن القتل لا يتجزأ، ويمكن أن يكون حدوثه من فعل الذي لا قصاص عليه - كما يمكن أن يكون ممن يجب عليه القصاص - وهذه الشبهة تسقط القود.
وإذا سقط وجب بدله، وهو الدية.
وخالف في ذلك مالك والشافعي رضي الله عنهما.
فقالا: على المكلف القصاص، وعلى غير المكلف نصف الدية.
ومالك يجعلها على العاقلة، والشافعية يجعلونها في ماله.
قتل الغيلة: وقتل الغيلة عند مالك أن يخدع الإنسان غيره، فيدخل بيته ونحوه، فيقتل أو يأخذ المال.
قال مالك: الأمر عندنا أن يقتل به، وليس لولي الدم أن يعفو عنه، وذلك إلى السلطان.
وقال غيره من الفقهاء: لافرق بين قتل الغيلة وغيره، فهما سواء في القصاص والعفو، وأمرهما راجع إلى ولي الدم.
وإذا قتلته جماعة كان لولي الدم أن يقتل منهم من شاء، ويطالب بالدية من شاء وهو مروي عن ابن عباس، وبه يقول سعيد بن المسيب، والشعبي، وابن سيرين، وعطاء، وقتادة.
وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق.
فقد قتلت امرأة هي وخليلها ابن زوجها فكتب يعلى بن أمية إلى عمر ابن الخطاب - وكان يعلى عاملا له - يسأله رأيه في هذه القضية؟ فتوقف رضي الله عنه في القضية، وكان أن قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين: أرأيت لو أن نفرا اشتركوا في سرقة جزور، فأخذ هذا عضوا، وهذا عضوا، أكنت قاطعهم؟ قال: نعم. قال: وذلك.
وكان أن كتب أمير المؤمنين إلى يعلى بن أمية عامله: أن اقتلهما، فلو اشترك فيه أهل ضنعاء كلهم لقتلتهم.
وذهب الشافعي إلى أن لولي المقتول أن يقتل الجميع به، وأن يقتل أيهم أراد، ويأخذ من الآخرين حصتهم من الدية.
فإن كانوا اثنين وأقاد من واحد، فله أخذ نصف الدية من الثاني.
وإن كانوا ثلاثة، فأقاد من اثنين، فله من الآخر ثلث الدية.
الجماعة تقتل بالواحد:
إذا اجتمع جماعة على قتل واحد فإنهم يقتلون به جميعا، سواء أكانت الجماعة كثيرة أم قليلة، ولو لم يباشر القتل كل واحد منهم، لما رواه مالك في الموطأ: أن عمر بن الخطاب، قتل نفر برجل واحد، قتلوه قتل غيلة.
وقال: لو تمالا عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا.
واشترطت الشافعية والحنابلة أن يكون فعل كل واحد من المشتركين في القتل بحيث لو انفرد كان قاتلا، فإن لم يصلح فعل كل واحد للقتل فلا قصاص.
وقال مالك: الأمر عندنا: أنه يقتل في العمد الرجال الاحرار بالرجل الحر الواحد، والنساء بالمرأة كذلك، والعبيد بالعبد كذلك أيضا.
وفي المسوى قال: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم.
قالوا: إذا اجتمع جماعة على قتل واحد، يقتلون به قصاصا.
وقد رأى هؤلاء الفقهاء أن ذلك هو المصلحة، لأن القصاص شرع لحياة الأنفس، فلو لم تقتل الجماعة بالواحد، لكان كل من أراد أن يقتل غيره استعان بشركاء له حتى لا يقاد منه.
وبذلك تبطل الحكمة من شرعية القصاص.
وذهب ابن الزبير، والزهري، وداود، وأهل الظاهر إلى أن الجماعة لا تقتل بالواحد، لأن الله تعالى يقول: {أن النفس بالنفس}.
إذا أمسك رجل رجلا وقتله آخر: وإذا أمسك رجل رجلا فقتله رجل آخر، وكان القاتل لا يمكنه قتله إلا بالإمساك، وكان المقتول لا يقدر على الهرب بعد الإمساك: فإنهما يقتلان، لأنهما شريكان.
وهذا مذهب الليث، ومالك، والنخعي.
وخالف في ذلك الشافعية والأحناف.
فقالوا: يقتل القاتل، ويحبس الممسك حتى يموت جزاء إمساكه للمقتول.
لما رواه الدارقطني عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أمسك الرجل الرجل وقتله الآخر، يقتل الذي قتل، ويحبس الذي أمسك». وصححه ابن القطان.
وقال الحافظ بن حجر: ورجاله ثقات.
وأخرج الشافعي عن علي أنه قضى في رجل قتل رجلا متعمدا وأمسكه آخر.
قال: يقتل القاتل، ويحبس الآخر في السجن حتى يموت.